mohannadbari

ثقافة الخنوع الحصن الأخير للاستغلال، وضرورة الخروج عليها

من رواية الأخوة كارامازوف

صورة

يقول ديستوفيسكي:”لقد ألحت عليه امرأته مارفا اجناتفنا، رغم أنها كانت طوال حياتها خاضعة لإرادة زوجها خضوعاً أعمى، ألحت عليه إلحاحًا قويا ولاسيما غداة تحرير الأقنان، أن يترك فيدور بافلوفتش(=مالكه) ليسافر إلي موسكو فيفتتح هناك تجارة صغيرة …ولكن الزوج جريجوري أيقن عندئذ يقيناً نهائيا أن امرأته تقوده إلي الخطأ والضلال، لأن كل امرأة ناقصة عقل، وأضاف إلي ذلك قوله أنه لا يليق بهما أن يتركا مولاهما القديم، مهما تكن عيوبه لأن ذلك هو الواجب الذي يقع على عاتقهما الآن!!”.

المقطع السابق من رواية الأخوة كارمازوف يبدع ديستوفيسكي في إبراز قضيتين هامتين، الأولى : ثقافة الخنوع والرضوخ التي يتبنّاها القن الذي ورغم صدور قانون يمنحه حق التخلص من مستعبده وأن يسير حرّاً ومالكا لنفسه بقية حياته، إلا أنه يأبى ويكابر على البقاء في ذلّه، مبررا لنفسه بأن هذا هو الواجب!!
أما القضية الثانية فهي استعباد القن الذكر لزوجته طوال حياتهما واستخفافه بها معتقدا أنها تقوده للضلال، فهي ناقصة عقل! وليس هي وفقط بل كل امرأة. وهنا يكون استمرار الاستغلال لمن هم أضعف فمن هم أضعف بالاستعانة بقيم الرضوخ المثبتة في الثقافة السائدة وفي العادات والتقاليد والأعراف والأخلاق، خدمة للقلة التي تحكم وتمتلك.

لقد أبدع ديستوفيسكي بهذا المقطع الموجز، في تظهير قضايا الطبقات الفقيرة والمستعبدة، والمنتهك حقوقها والتي ورغم كل محاولات تحريرها ترفض وتقف سدّاً منيعاً أمام حريتها، وتتمسك بمستغلّيها باسم الواجب إن كان دينياً أو عرفيا أو أخلاقيا. انها العبودية الطوعية.
والسؤال المطروح دوما وأبدا: كيف نخرج بهذا المستغل (بفتح التاء) إلي عالم الحرية؟

وهل يكون ذلك بغير نقد وتفتيت كل القيم والتقاليد التي تثبّت ثقافة الخضوع وتكرس الاستغلال الاستعماري او الطبقي او النسوي؟! هل يكون ذلك بغير ثقافة شعبية بديلة تهيمن على وعي الناس، تقدم مصالح جموع الشعب كأولوية أولى تعلو كل الأولويات الوهمية الأخرى؟ .

One thought on “ثقافة الخنوع الحصن الأخير للاستغلال، وضرورة الخروج عليها

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *