mohannadbari

العقل زينة!

تخيلوا معي أيها الأصدقاء ما الذي حدث بالأمس بينما كنت جالساً في المقعد الأمامي داخل سيارة أجرة بجوار السائق، والذي تبدو عليه علامات التدين، وذلك عندما كان صوت رجل في المذياع يحكي القصة التالية: “عاش رجل فقير في منزل غاية في البؤس، وكان المنزل ” ينغل” -موضحاً أن هذه الكلمة غزاوية- بالفئران، وفي أحد الأيام ضجر أحد أصدقاء صاحب المنزل من ذلك، فعرض عليه أن يأتي بقطة شرسة تلاحق تلك الفئران وتنظف المنزل. وعلى الرغم من ان الرجل يحب النظافة إلا أنه رفض ذلك العرض خشية من أن تهرب الفئران إلى منازل جيرانه وتقيم عندهم، فيكون قد آذاهم… حتى نهاية ما قاله. وقد أتبعَ المقدّم بعدها بذكر حديث من السيرة النبوية عن فضل الجار، وكيف يجب أن نتخذ من هذا الرجل نموذجاً يحتذى!”. في تلك اللحظة أطلقت ضحكة لم أقدر على كبحها، فكيف لعاقل أن يصدق مثل هذه القصة؟ ثم التفت إلى جهة السائق وقلت له بالله عليك، هل تصدق هذه القصة؟ عندها نظر إلي وأطلق ضحكة كان يحاول جاهداً إخمادها، وقال “لا والله”. في زحمة الضحك تدخل راكب شاب من الخلف وطلب أن يرفع السائق درجة الصوت، واتبعها باستغفار الله. كانت السيارة قد وصلت إلى مقصدي فنزلت وأنا انظر إلى ذاك الشاب المسكين، ولم استطع أن أكف عن الضحك.

mohannadbari

فقر أم إفقار؟

هناك فرق كبير بين مصطلح “إفقار” الذي يحيل إلى عملية مستمرة يتسيد خلالها فاعل (مفقِر) على مفعول به (مفقَر)، يصبح معها تحديد الداء والدواء ممكناً، وبين مصطلح “فقر” الذي يحيل لنتيجة لا زمانية، هلامية المعالم، لا يمكن الامساك بكنهها، تطرح على كل أذن سؤالاً زائفاً: متى لم يكن الفقر ظاهرة مجتمعية؟! أصبح معها المفقرون يسلمون لهذا القضاء والقدر الذي لا مفر منه، راضيين عن طيب خاطر، بهذه المتلازمة العتيقة:أليس الرزق من عند الله؟ اللهم لا اعتراض! أما رأيهم بطرق المعالجة فتتمثل بالتخفيف من الآثار، مع إغفال الأسئلة الحقيقية عن الفاعلين وشبكاتهم من جهة، ومن جهة ثانية عن آليات نهبهم واستمرارهم حتى يومنا هذا. ولا تبرح الهوة تتسع وتتعمق إلى أن وصلنا إلي وضع بائس ومقيت أصبح معه خُمس سكان العالم ينعم بأربع أخماس موارد العالم، في الوقت الذي يعيش فيه أربع أخماس العالم على خمس الموارد

mohannadbari

حين يغيب المشروع الوطني التحرري والديمقراطي الذي يؤطر أحلام الناس ونضالاتهم، يكف المجتمع عن أن يكون بنية واحدة ينتصر لجميع مركباته وشرائحه وتكف الدولة عن أن تكون وحدة سياسية جامعة تعبر عن تطلعات مواطنيها وتحدد مصيرهم المشترك في مواجهة عالم الرأسمالية الاحتكارية العنيفة، ويتحول الناس في فهمهم لكيانهم السياسي والاجتماعي إلى تصور جديد يرتكز على الفرد باعتبار أن المجتمع هو مجموع أفراده حيث الغلبة للقلة التي تحكم وتمتلك. وفي زحمة الاحتفالات بالحريات والانجازات الفردية لا يبقى للفرد لتأكيد حضور الذات سوى السعي الدءوب لتحقيق النموذج الأمريكي للحقوق السياسية دون الاقتصادية، فالأقوى يأكل والباقي يجوع. أما المآل الذي لا مفر منه في الشق الجنوبي من العالم، فهو المزيد من الاغتراب والعجز والاخفاقات الحتمية. وفي عتمة التنمية العرجاء يعود المفقرون القهقري إلى التشكيلات القبلية والطائفية السابقة على الدولة الحديثة كملاذ أخير للاحتماء من عالم متوحش ويسود الظلام.