mohannadbari

الحركة الطلابية: هل تنبعث من جديد؟

و”انتصرت إرادة الحركة الطلابية” هذا كان عنوان البيان رقم (3) الذي صدر عن الحركة الطلابية في جامعة الأزهر بمدينة غزة، بعد اعلان الحركة التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة مع إدارة الجامعة وفك الاعتصام الذي جاء احتجاجاً على قرار الجامعة فرض رسوم حد أدنى (9) ساعات على جميع الطلبة، وهو الأمر الذي لم تقبل به تلك الأطر جميعها.

 

وكانت الأطر الطلابية في الجامعة أعلنت الاضراب المفتوح داخل أروقة الجامعة، بعد إقدام الإدارة على طرد طلبة كلية الهندسة الزراعية من غير الملتزمين بقرارها الأخير والمتعلق بمنع الطلبة من دخول قاعات الامتحانات بدون تسديد رسوم حد أدنى (9) ساعات، صباح يوم الخميس الموافق 22 مارس العام 2018، في أولى أيام الامتحانات النصفية للفصل الدراسي الثاني. هذا ويشهد قطاع غزة تدهوراً كبيراً في الأوضاع الاقتصادية، حيث وصل عدد غير المسجلين للفصل الدراسي الحالي وارتباطاً بذلك القرار إلى سبعة آلاف طالب يشكلون حوالي 50% من مجمل طلبة الجامعة.

في أول تعقيب لها على اعلان الأطر الطلابية في الجامعة الاعتصام المفتوح، اتهمت إدارة الجامعة عبر تصريح صدر عنها جموع المعتصمين بعرقلة سير الامتحانات والتشويش المتعمد على قاعات الامتحانات، واستمرت في التأكيد على ضرورة التزام الطلبة بقرارها الأخير، في الوقت الذي تجاهلت فيه قيام أفراد الشرطة بدعوة منها، بالاعتداء على المعتصمين، واعتقال أحد عشر طالباً منهم، وتحويلهم إلى مراكز الشرطة خارج الجامعة. هذا وبررت الجامعة قرارها الأخير بالأزمة المالية التي تشهدها الجامعة وعدم التزام الطلبة بتسديد الرسوم الدراسية التي تراكمت ووصلت إلى حوالي مليون دينار أردني.

في أعقاب فشلها في فرض القرار الأخير، ونجاح الحركة الطلابية في التصدي لها، صدّرت الجامعة تصريحاً صحفياً أعلنت فيه الاتفاق مع الأطر الطلابية ينهي الخلاف القائم. ويقضي الاتفاق بتسديد الطالب حد أدنى (3) ساعات فصلياً كي يسمح له بالدخول إلى قاعات الامتحانات، وهو الاقتراح الذي كانت الأطر الطلابية قد تقدمت به لحفظ حق الطلبة في استكمال العملية التعليمية، في الوقت الذي تتجاوز فيه مبررات الجامعة المتعلقة بتنظيم عملية التسجيل. وفي مفارقة ضدية، فإن الجامعة التي سعت لحجب فرصة التعليم عن حوالي 50% من الطلبة، فإنها افتتحت تصريحها المذكور أنها تؤمن بدور الجامعة تجاه المجتمع الفلسطيني في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وأنها ستبقى حانية على أبنائها الطلبة!! وبطبيعة الحال، فإن هذا النوع من التصريحات ليس جديداً على إدارات جامعات القطاع.

جهاز شرطة الجامعات التابع لوزارة الداخلية في قطاع غزة، بدوره كان له الكلمة المعززة بالهراوة وبوط رجل الأمن، فقد تدخلت الشرطة واعتدت على الطلبة المعتصمين داخل الحرم الجامعي، وكان مشهد الضابط ذي الهراوة الذي يهاجم الطلبة في محاولة للوصول إلى أيٍ منهم، يعبّر عن العقلية الأمنية التي تحتل رأس النظام في القطاع، وهو ما خبره سكان القطاع جيداً، فقد كانت الشرطة نشرت عناصرها داخل الجامعات منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة منتصف العام 2007.

بعد نجاح الاعتصام بالاستمرار رغم القمع، حاولت إدارة الشرطة إلقاء المسؤولية عنها، وصدّرت بياناً ذكرت فيه أن “د. مروان الأغا نائب رئيس جامعة الأزهر للشؤون الإدارية والمالية، اتصل بمدير شرطة أمن الجامعة، وأبلغه أن إدارة الجامعة تطلب من الشرطة حماية الجامعة والمحافظة على النظام”. وبررت الشرطة في ذات البيان، ما أسمته قيام الشرطة بواجبها، أي بقمع الاعتصام بالقوة، بأن بعض الطلبة قاموا بتصرفات غير لائقة بأن اعتدوا على بعض الموظفين، وأعاقوا سير الامتحانات، وتهجموا على عناصر الشرطة.

تقنية التصوير عبر الهاتف المحمول ومواقع التواصل الاجتماعي، كانت كفيلة بنشر فيديوهات القمع خلال بضعة ساعات، الأمر الذي تبعه تفاعل كبير من قبل الأوساط الطلابية والثقافية، وتحول القضية إلى قضية رأي عام، تصاحب ذلك مع إدانات واسعة من قبل جملة الفعاليات الوطنية والمؤسسات الحقوقية لذاك الجرم الخطير، مع تأكيد الجميع على إدانة استخدام القوة في التعامل مع التجمعات السلمية، وقدسية الجامعات وحرمتها. الشرطة في ذات البيان الآنف الذكر، وبطريقة مثيرة للسخرية، ذكرت أنها اتخذت موقع الوسيط أو “المختار”، وجمعت بين الأطر الطلابية وإدارة الجامعة في محاولة للوصول إلى حل للأزمة!

الحركة الطلابية هل تنبعث من جديد؟

رغم حجم التباينات على المستويين السياسي والأيديولوجي، وحالة الاستقطاب التي تشهدها الساحة الفلسطينية بين الحركتين المنقسمتين فتح وحماس، التزمت الأطر الطلابية جميعها بالانحياز إلى مصلحة جموع الطلبة، والتصدي للقرار غير المسؤول الذي اتخذته إدارة جامعة الأزهر. وفي بيان جمع كل مكوناتها، أدانت الحركة الطلابية استقواء إدارة الجامعة بالشرطة وعناصر الأمن على الاعتصام المطلبي والسلمي. هذا وأصدرت الحركة ثلاثة بيانات متتالية جمعت كل أطياف الحركة الطلابية، وصولاً إلى بيان اعلان الانتصار. كذلك التزمت تلك الأطر بفعاليات الاعتصام، وكل تبعاته من مواجهة صدامية مع كل من إدارة الجامعة ورجال الشرطة.

وكانت الحركة الطلابية في قطاع غزة، مرت بتجربة عصيبة منذ اندلاع أحداث الانقسام الفلسطيني منتصف حزيران العام 2007، إذ هيمنت لغة الحسم الأمني لدى الحكّام الجدد في التعاطي مع القضايا النقابية والوطنية، الأمر الذي أضعف من دور الحراكات الشعبية والنقابية بما فيها الطلابية. إدارات الجامعات في القطاع وتحت مبرر النأي  بالجامعات عن أحداث الانقسام، وهو مبرر ساذج بطبيعة الحال، عطلت العملية الديمقراطية وأرجأت انتخابات مجالس الطلبة إلى اشعار آخر، ليس له آخر، وفرضت وقف الأنشطة الطلابية تحت طائلة المحاسبة للمخالفين. كل ذلك زعزع من حضور الحركة الطلابية وجمّد الدماء فيها، ولم يسمح لها بالقيام بدورها الوطني والديمقراطي والمطلبي الذي يقع ضمن مسؤولياتها، وسمح لإدارة الجامعات أن تتلاعب بممثلي الحركة الطلابية وتمنح الشرعية وتسحبها تبعاً لأهوائها ورغباتها.

لقد شكل النصر الأخير في جامعة الأزهر لحظة مهمة في تاريخ الحركة الطلابية في قطاع غزة، وإن لم يكن الأول من نوعه عبر تاريخ نضالاتها، إلا أن حجمه وآليات العمل التي جمعت كافة مركبات الحركة الطلابية وصولاً للحظة الأخيرة، ومواجهة كلا الخصمين: إدارة الجامعة والأجهزة الأمنية، وإجبار الجامعة على التراجع، بعد أكثر من 12 عاماً على عقد آخر انتخابات طلابية، وتحديداً في الوقت الذي يستعاد فيه دور الحراكات الشعبية في مواجهة الاحتلال وضمن مسيرات العودة على طول حدود القطاع،  كل ذلك يمنح هذا الحراك فرادة وميزة إضافية.

وفي الوقت ذاته تستعيد الحركة الطلابية الثقة في حضورها ومدى تأثيرها، فإنه يفتح الباب واسعاً أمام التساؤلات حول دمقرطة الأجسام التمثيلية، وأهميتها على طريق النضال المطلبي والوطني.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *