mohannadbari

بين أسطورتين: الإلياذة والتوراة

تروي إلياذة هوميروس قصة حصار الإغريق لمدينة طروادة الواقعة على شاطئ البوسفور شمال تركيا، حيث استمرت المعركة عشرة سنوات، وصولاً إلى تدمير المدينة وسبي من فيها، وذلك إثر وقوع الملكة الإغريقية هيلين بغرام الأمير باريس ابن ملك طروادة، ثم رحيلها معه إلى طروادة.
وقد جاءت الملحمة لتخلد الصراع التاريخي حول خطوط التجارة والسيطرة على جزر بحر إيجة وسواحل الأناضول وشمال اليونان، حيث يرى البعض أن أحداثها وقعت في منتصف القرن الثاني عشر ق.م، وأن توثيقها جرى في القرن التاسع أو السابع ق.م، رغم أن كثيرين يشككون بوجود شخصية تاريخية تدعى هوميروس الذي تنسب إليه ملحمتي الإلياذة والأوذيسة.

يستطيع قارئ الالياذة أن يلتقط مجموعة من القصص الأسطورية التي يمكن أن تعتبر صوراً أقدم للقصص التي جاءت في نصوص التوراة. فإذ تكاد بعض القصص تتطابق إلى حد بعيد، فإن بعض القصص الأخرى تتقاطع على المستوى الرمزي.

تدور القصة الأولى حول صراع بين ثلاث ربّات (حيرا ومنيرفا وفينوس) على تفاحة من الذهب، حيث تتفق الثلاثة على فصل الخلاف بينها بواسطة أول عابر سبيل، ويكون الحظ العاثر من نصيب باريس المشؤوم ابن ملك طروادة الذي يختار أن يمنح التفاحة لفينوس، إلهة الحب والجمال التي وعدته لقاء حصولها على التفاحة بأجمل إمرأة في العالم، ويترك الإلهتين الأخريين، حيرا ربة التاج والصولجان وصاحبة القوة والسلطان، ومنيرفا ربة الحكمة وإلهة الروح الأعلى المقدس، خالياتي الوفاض، دون أن يأبه لوعود الأخريين أو غضبهن، ليقع في حب الملكة الإغريقية هيلين ويخطفها من زوجها ويفتتح حروب طروادة، فيختار الحب ويترك الحكمة والخلود.

والثانية: عندما يجتمع جيش الاغريق في الميناء وهم على أهبة الاستعداد للإبحار نحو طروادة، إذ تكف الرياح عن الهبوب. وحين يتضرع الكهنة والعرّافون إلى آلهتهم ويسألونهم عن السبب، تكشف لهم الآلهة أنها ظمأة لدماء أفيجنيا ابنة أجاممنون زعيم الهيلانيين، وأن دمها هو شرطهم لإطلاق الريح. وحين يهزم الأب وينتصر المؤمن المخلص لأوامر الآلهة، يأتي بفلذة كبده لتوضع على رخامة المذبح، عندها تتدخل الإلهة ديانا وتقوم باستبدالها بظبي وترفع البنت إلى السماء.

أما القصة الثالثة، وهي قصة هيلين التي منحتها الآلهة جمالاً أخّاذاً أسرت به قلوب زعماء الهيلانيين جميعهم، حتى أصبحت زوجة الملك مينيلوس، لكن ما إن التقت بباريس ابن ملك طروادة، حتى تحيّنت الفرصة وغادرت معه إلى مدينة أبيه، لتلطخ شرفها بالعار الأبدي، ولتكون السبب في إشقاء الشعبين وإشعال الحرب بينهما.

أما القصة الرابعة فهي القدر المحتوم والأكيد، وهي السياق الناظم للملحمة منذ بدايتها وحتى آخر سططر فيها، وذلك رغم تدخل الآلهة، وما تمثله من قوة فوق أرضية في الصراع الدائر بين الشعبين، ورغم غضب الآلهة أو رضاها.

تبدو القصة الأولى أقرب إلى قصة غضب الله بعد أكل آدم من شجرة الحياة وتخليه عن الخلود والنعيم الأزليين، وما استجلب عليه ذلك من المشقة له ولنسله، في حين تبدو الثانية أقرب إلى قصة النبي ابراهيم الذي سلّم بقرار ربه بذبح ابنه اسحاق قبل أن يستبدله الله بالشاة، وفي هذه خلاف حيث تقول الرواية التوراتية أن الله أمر بذبح إسحاق في حين أن الرواية الإسلامية الشائعة تفترض أن الذبح جاء لإسماعيل، بالإضافة إلى رواية إسلامية أقل شيوعاً تقول أن الذبح لاسحاق أيضاً. أما القصة الثالثة فهي قصة حواء الخطّاءة منذ البداية، التي أغوت آدم للأكل من شجرة الحياة، لتكون السبب الأول في إشقاء البشرية، حيث اقتران جسدها بالخطيئة الأبدية. وأخيراً قصة القدر التي تمثل الناظم الأساس للرواية التوراتية التي هي أشبه بتمثيل أدوار لقصة كتبت مسبقاً.