mohannadbari

‏بين التقويمين الميلادي والهجري في العصر الحديث

ماذا حصل في الفترة الممتدة من ٥ وحتى ١٤ أكتوبر من العام ١٥٨٢؟ الجواب هو لا شيء إطلاقاً. هذه الأيام حذفت من التقويم اليوليوني (نسبة ليوليوس قيصر) وانتقل التاريخ من ٤ إلى ١٥ من نفس الشهر لمعالجة الخلل في حسبة السنة الشمسية، وذلك بمرسوم بابوي للبابا غريغوريوس الثالث عشر.
فعدد أيام السنة الشمسية حسب التقويم اليولياني هو ٣٦٥ وربع اليوم، لكن التقدم في علم الفلك بيّن أن طول السنة الشمسية هو ٣٦٥ يوم و٥ ساعات و٤٨ دقيقة و٤٦ ثانية، أي أقل بحوالي ١١ دقيقة من التقويم المعمول به. تطلب ذلك تعديل الخلل التراكمي لمئات السنين وطبق التقويم الميلادي (الغيرغوني)، وحذفت الأيام الإضافية منذ تأريخ ولادة المسيح. لهذا نجد الفرق اليوم بين التوقيمن الشرقي والغربي في تحديد ميلاد المسيح.

بالنسبة لنا في الشرق، ساد التقويم القمري في الكثير من الثقافات القديمة، بما فيها الحضارة الإسلامية. ويبلغ طول السنة القمرية ٣٥٤.٣٧ يوماً، أي أقل من طول السنة الشمسية بحوالي ١١ يوماً، وكان يعدل التقويم القمري مع الشمسي بإضافة شهر النسيء كل ثلاث سنوات.
مع الحقبة الأموية الاسلامية جرى حذف النسيء، (بعض الروايات تفترض أنه وقع في زمن أسبق وأخرى في أزمنة لاحقة)، ما أدى إلى تنقل الأشهر القمرية في فصول السنة الشمسية الأربعة، كذلك انقطعت المناسبات الدينية عن سياقها، حيث لم يعد ممكناً فهم الأشهر الحرام في الثقافة العربية التي تحيل إلى أوقات حرّم فيها القتال لأسباب تتعلق بالتجارة والحج. وقد جاء تحريم النسيء كما ذكرت الروايات الإسلامية في سياق مواجهة التلاعب في تقديم الأشهر الحرم وتأخيرها لدى العرب في الفترة الجاهلية.

لكن بعد أن ساد التقويم الميلادي في العالم في النصف الأول من القرن العشرين، استمرت الثقافات التقليدية باستعمال التقويم القمري لتحديد مواعيد المناسبات الدينية للثقافات المختلفة، بما فيها شهر رمضان والعيدين الفطر والأضحى، وذلك دون مطابقة التقويمين القمري مع الشمسي.
في عالمنا العربي الإسلامي اليوم، نجد أن التيار المتدين يطالب بتطبيق التقويم الهجري القمري المعمول به حالياً بديلاً عن التقويم الشمسي، مفترضين أنه يناسب العالم أكثر من غيره. ويأتي هذا التعنت بعيداً عن السبب الرئيسي لوضع التقويم عند البشر. فالتقويم وضع بالأساس لتحديد مواعيد الزراعة والحصاد ومواجهة التحولات في الطقس والتعامل معها، وحديثاً تحديد جدول أعمال الوزارات. فكيف يمكن تحديد بداية الشهر القمري التي تحتاج إلى تحر دوري وقد تختلف من موقع جغرافي إلى آخر، ولنا في الأول من رمضان خير مثال في العالم العربي الاسلامي اليوم، حيث لم يتحقق الاجماع عليه لمرة واحدة في العصر الحديث. كذلك كيف يمكن أن نحدد بداية العام الدراسي بشكل سنوي في ظل تنقل الشهور الهجرية في فصول السنة الأربعة؟ أليس استخدام التقويم الميلادي أكثر فعالية!.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *